قدوتنا

د. عبد الرحمن السميط – رجل بأمة

القدوات كثيرة في مجال العمل الدعوي والإغاثي وأولهم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ومن بعده صحابته الكرام رضوان الله عليهم الذين ملؤوا الأرض عدلا ونورا، ولكن إذا تحدثنا عن قدوات عاصرناها، فإننا في منظمة شباب السلام قد تأثرنا أكثر ممن تأثرنا بهم بخادم فقراء أفريقيا الدكتور عبد الرحمن السميط الكويتي رحمه الله.

فمن هو د. عبد الرحمن السميط رحمه الله؟

لقد كان السميط رحمه الله رائدا من رواد العمل الدعوي والإغاثي بأفريقيا ومن الذين يبعثون روح النشاط والجد والمثابرة، بل إنه رجل حفر اسمه ونحته على حائط الخلود وجدار التاريخ وهو علم بارز. ولا ريب أن من يودون كتابة تاريخ الدعوة والعمل الإغاثي بأفريقيا لابد أن تستوقفهم شخصية الدكتور عبد الحمن السميط رحمه الله كرائد مشى على الأشواك وشق الصخور وعبّد الطريق في أدغال أفريقيا وضرب أروع الأمثال في مواجهة التحديات، وذلك لأنه قضى ما يقارب الثلاثون عاما من عمره في مجاهل أفريقيا يساعد فقراءها ويبني المدارس والمستشفيات والجامعات ويحفر الآبار. ولم يكن طوال حياته بأفريقيا أو الكويت يعرف مكان ترفيهي حيث كان جل وقته للفقراء، وهو الذي كانت القنوات التلفزيونية المختلفة تتهافت للفوز بإجراء لقاءات معه.

نشأته:

عبد الرحمن السميط هو الابن الثالث في أسرته، وكان منذ طفولته هادئا مجدا ومتميزا في دراسته وقليل الكلام ومحافظا على صلواته خاصة صلاة الفجر،
وكان أهل الحي يطلقون عليه لقب المطوع، ومنذ سن الخامسة وهو في خيال دائم وتصور أنه في غابات أفريقيا، كما كانت لديه عصا يضعها بجانبه مثل العصا الخاصة بصيد الأفاعي. ومنذ المرحلة المتوسطة والثانوية كان عضوا في فرقة الكشافة بالمدرسة لمدة سبعة سنوات، وكان تدريبه في فرقة الكشافة لها دور مهم في حياته في تعليمه حياة الإعتماد على النفس والجلد والصبر الذي ساعده في رحلتيه الدعوية في أفريقيا. ولقد كان السميط يكتب وقتها وهو بالمرحلة الثانوية مقالا في جريدة أسبوعية في فقرة الكشافة.

ولقد كان قلب السميط رحمه الله متعلقا بالعمل الخيرى منذ صغره، فيروى عنه أنه عندما كان بالمدرسة الثانوية جمع هو وأصحابه مالا واشتروا سيارة لنقل العمال الوافدين الذين كانوا ينتظرون المواصلات العامة في شمس الكويت المحرقة وبدون مقابل مادي.

تعليمه:

لقد أحب السميط القراءة منذ الصغر وكان شغوفا بها لدرجة أن والده كان يهدده في أكثر من مرة أنه لن يصطحبه إلى السوق لأنه كان إذا رأى جريدة ملقاة على الأرض ركض لإلتقاطها وقراءتها أثناء المشي.

تخرج السميط رحمه الله من الثانوية عام ١٩٦٣م وتقدم بطلب إنتساب لدراسة الطب بجمهورية مصر العربية وبالولايات المتحدة الأمريكية فقبل في البلدين، وعندما سمع من بعض الطلاب الذين يدرسون الطب بجامعة بغداد عن مدى صعوبة دراسة الطب بها غير وجهته إلى بغداد وعندما سئل عن سبب تغيير وجهته لبغداد قال: (سمعت أن الدراسة بها صعبة وأنا أقبل التحدي).

عمله:

بعد أن انتهى السميط من سنوات تخصصه بجامعة ميقيل الكندية عمل بالوظائف التالية:

إتجه للندن عاصمة المملكة المتحدة وعمل كطبيب متخصص في مستشفى كلية الملكة في لندن عامي ١٩٧٩ و١٩٨٠م.
عمل إخصائيا في أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى الصباح في الفترة ما بين ١٩٨٠ إلى ١٩٨٣م.
تفرغ منذ عام ١٩٨٣م للعمل الخيري في جمعية العون المباشر كأمين عام ثم رئيس مجلس إدارة حتى عام ٢٠٠٨م.
ثم عمل كمدير مركز أبحاث ودراسات العمل الخيري بالكويت.

العمل الدعوي والإغاثي بأفريقيا:

بعد أن عاد السميط وزوجته إلى الكويت من رحلته الدراسية بإنجلترا وكندا، إقترحت عليه زوجته الفاضلة (أم صهيب) بأن يتركوا حياة الدعة والرفاهية بالكويت ويذهبوا إلى إلى شرق آسيا للعمل في مجال الدعوة ونشر الإسلام، فاقتنع بذلك الدكتور السميط رحمه الله فذهب لوزارة الأوقاف الكويتية لمساعدته في تحقيق هدفه ولكن بيروقراطية الحكومات كادت أن تقتل حماسه لولا أن كلفته زوجة أمير الكويت آنذاك جابر الأحمد الصباح رحمه الله ببناء مسجد لها باسمها في أفريقيا وأعطته مبلغا من المال فاتجه إلى دولة ملاوي وبنى فيها مسجدا ولكنه إكتشف أن الوضع هنالك يحتاج إلى أكثر من مسجد وذلك لأن أئمة المساجد أنفسهم لا يجيدون قراءة الفاتحة ناهيك عن عوام المسلمين ووجد أن معظم الأفارقة لا يعرفون من الإسلام إلا خرافات وأساطير وهم معرضون للتنصير وبخاصة أطفالهم.

كانت بداية السميط صعبة كما هي العادة في كل عمل جديد التي تكون فيه التحديات والصعوبات والأبواب المغلقة، فكان يطوف بين الناس فجمع في الثلاثة شهور الأولى ألف دولار فقط، فخاب أمله في البداية ولكنه لم يستسلم بل غير إستراتيجيته فتحول من مخاطبة الأغنياء والأثرياء لمخاطبة الطبقة الوسطى خاصة شريحة النساء اللاتي وقفن بجانبه وعلى رأسهن زوجته الفاضلة (أم صهيب) التي تبرعت له بكل إرثها لصالح الأعمال الدعوية والإغاثية في أفريقيا. وكان أحد أسرار نجاح السميط هو دعم زوجته له ومؤازرتها له وهذه كانت أحد تفاعلات النجاح وخلطاته السحرية حيث النجاح الجماعي وحيث يكون التكامل.

فانطلق السميط رحمه الله في أفريقيا يبني المدارس والمساجد والمستشفيات ويكفل اليتامى والمعلمين. وعندما ترك السميط حياة الدعة والترف بالكويت واتجه لأفريقيا كان يعلم تماما أنه سيواجه مخاطر جمة فإن سلسلة وسلاحه المادي جسده المثخن بأمراض الضغط والسكري والجلطات وأما سلاحه الإيماني الذي حسم معاركه في سبيل الله والمستضعفين والفقراء فقد كانت آيات استقرت في قلبه. ولأنه كان رجلا ذو همة عالية وغايات سامية استسهل الصعاب وكان يبشر بأهمية التعليم وأخذ يعمل منطلقا من فلسفته التي تقول:

التعليم هو هبة من الله مثلما وهبنا الأكسجين لنتنفسه والمال لننفقه والطعام لنأكله، فهو حق رباني لكل فرد مسلم أو غير مسلم في كل مكان وبالذات في أفريقيا”

فكان له ما أراد، فطاف بدول أفريقيا فبنى المدارس وجذب إليها التلاميذ وخيرة المعلمين. وإن كان الشيخ بابكر بدري رحمه الله هو رائد التعليم بالسودان فإن الدكتور السميط رحمه الله كان رائد التعليم في أفريقيا كلها وصح أن يقال فيه ما قيل في الشيخ بابكر بدري رحمه الله

كما أن السميط رحمه الله كان طوال رحلته في أفريقيا ينشر دين الله ولم يأل أن يدخر جهدا في سبيل ذلك، وخاض ذات مرة مستنقعا في مدغشقر لمدة أربعة ساعات ليصل لمدينة من مدن قبائل الأنتيمور اسمها مكة. ولقد عادت بعض القبائل التي كانت أصولها إسلامية للإسلام بفضل الله ثم جهوده ومن معه من فريقه الطموح، ولقد كانت هذه القبائل مسلمة إلا أنها نست الإسلام لانقطاع الدعاة عنهم مثل : قبيلة الغبرا بشمال كينيا وقبيلة البوران بجنوب أثيوبيا وشمال كينيا وقبيلتي الأنتيمور وبعض من قبائل السكلافا في مدغشقر وقبيلة الفارمبا بجنوب زيمبابوي

كان السميط رحمه الله من طراز نادر فلقد كان يتسم بعزيمة لا تخور وحلم نادر، وعندما سئل ذات مرة: متى ستلقي عصا الترحال؟ فقال:(سألقي عصا الترحال عندما تضمنوا لي الجنة، ومادمت دون ذلك فلا مفر من العمل حتى يأتي اليقين

ولقد كان السميط رحمه الله مربيا من طراز فريد فربى أبناءه على حب العمل الخيري وكان يأخذهم معهم لأفريقيا في عطلاتهم المدرسية وكان يشجعهم على ذلك حتى أنه ذات مرة أخذ معه حفيدته ذات الثلاثة عشر عاما معه لأفريقيا تدعو معه إلى الله لتفوقها في دراستها

إنجازاته:

كرس السميط رحمه الله حياته للدعوة وللعمل الخيري بأفريقيا خلال ثلاثين عاما
وقد أثمر هذا الكفاح الطويل عن نتائج كبيرة وإنجازات عظيمة، وفيما يلي بعض إنجازات جمعيته إلى تاريخ أكتوبر ٢٠١٨م

– 11 مليونا من الأفارقة دخلوا الإسلام.

– تم حفر 2410 بئر في عدة قرى أفريقية.
– تم بناء 283 مدرسة.
– تم بناء 5 جامعات بدوام كامل.
– تم رعاية 21,385 يتيم.
– تم تنفيذ أكثر من 5000 مشروع قيد التطوير.
– تم توزيع أكثر من 30 مليون منشور إسلامي.
– تم بناء 90 مستشفى. – رعاية حوالي 2000 معلم.
– تم إنشاء 10 محطات إذاعية إسلامية.
– تم بناء 3 سدود لتوفير المياه.
– تم توزيع 550،000 طن من البضائع على الأشخاص المحتاجين.
– حتى الآن تم إنفاق 150 مليون دينار كويتي (494 مليون دولار) على السلع والأدوية لصالح الأفارقة الفقراء

ونسبة لجهود السميط الكبيرة في مجال الدعوة إلى التوحيد في مجاهل أفريقيا ونسبة لجهوده الخيرية فلقد كان موضع إحترام من الجميع ونال عدد من الأوسمة والجوائز والدروع والشهادات التقديرية من مؤسسات إسلامية وحكومية عديدة مكافأة له على جهوده الكبيرة، وكانت من ضمن هذه الجوائز جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام والمسلمين عام ١٩٩٦م وكانت قيمتها ٧٥٠ ألف ريال والتي تبرع بها لتكون نواة للوقف التعليمي لأبناء أفريقيا ومن عائد هذا الوقف تلقت أعداد كبيرة من أبناء أفريقيا تعليمها بالجامعات المختلفة وعندما كثرت على الدكتور السميط الأمراض وكان عمره وقتذاك قد تجاوز الستين وكان من المفروض أن يخلد للراحة بعد ثلاثين سنة من الكفاح المرير ولكنه بدأ رحلة جديدة هي رحلة التوثيق لسنوات الدعوة والعمل الإغاثي بأفريقيا فكان أن أسس مركز دراسات العمل الخيري،وكانت من نتائج مرحلة التوثيق الكتب التالية

– لبيك أفريقيا.
– دمعة على أفريقيا.
– رحلة خير في أفريقيا (رسالة إلى ولدي).
– العرب والمسلمون في مدغشقر.
– ملامح من التنصير – دراسة علمية.
– إدارة الأزمات للعاملين في المنظمات الإسلامية.
– دليل إدارة مراكز الإغاثة.
– السلامة والإخلاء في مناطق النزاعات.
– قبائل البوران – وهي إحدى قبائل كينيا -.
– الميجيكندا – وهي مجموعة قبائل كينية -.
– الدينكا – وهي اكبر قبيلة في جنوب السودان -.

تدوين سيرته:

ونسبة لأهمية شخصية السميط رحمه الله؛ فلقد سجلت قنوات تلفزيونية عديدة لقاءات معه عن سيرته الدعوية في إفريقيا، وكتبت أعماله الجليلة في عدة كتب نذكر منها

“كتاب أخي الحبيب عبد الرحمن السميط، ومضات من سيرته ودعوته”:
هذا الكتاب من تأليف شقيقة السميط الصغرى نورية حمود السميط ومن طباعة جمعية العون المباشر الصادر عام 2014م، ولقد تقرر ضخ أرباح الكتاب وعائداته في ريع التعليم في قارة إفريقيا وقفاً،
وسبب تأليف الكتاب هو مرض السميط الأخير الذي أرقده الفراش

ولما أصبح العمل الميداني بعيد المنال منه ومن قوته البدنية على أدائه طلبت منه أخته نورية تدوين تجربته وآرائه بعد سنين الخبرة والتجربة التي يحملها والتفرغ لمركز الأبحاث الذي أنشأه السميط بالفعل منذ سنين، لكن حب السميط وشغفه لمساعدة الفقراء والمساكين في إفريقيا حاد به عن التدوين أو التفرغ له فقامت بجهدها الشخصي جمع مادة الكتاب وملحقاته وصوره بنفسها والإشراف عليه وعلى طبعه إهداءاً وعرفاناً لروح شقيقها المتوفي

كتاب رجل من زمن الصحابة:

وهذا الكتاب هو عبارة عن بحث أكاديمي ورسالة لنيل درجة الماجستير في العلوم الإسلامية كتبه وقام ببحث محتواه وتوثيقه الدكتورة رسمية شمسو من كلية الأوزاعي في بيروت، حيث كان من ضمن مقررات الماجستير كتابة أبحاث في مواضيع إسلامية متنوعة والحديث عن شخصيات إسلامية. الكتاب صدر من دار العصماء في دمشق في العام 2012م

كتاب عبد الرحمن السميط: أسطورة العمل الإغاثي:

وهذا الكتاب هو عبارة عن كتاب توثيقي يتناول سيرة عبد الرحمن السميط بالتفصيل، تحدث الكتاب عن قصة حياة الدكتور عبد الرحمن السميط منذ أن كان طفل إلى ما بعد وفاته، في الكتاب إضافات من الباحث المؤرخ عبد العزيز العويد مليء بالقصص والحقائق من مصادر مطبوعة وشفهية.

وفاته:

ستمر السميط يعمل بالدعوة بعد أن كبر سنه وثقلت حركته وأقدامه وكان قد أصيب بثلاث جلطات وكان مصاب بمرض السكر وبآلام في قدمه وظهره وتدهورت حالته الصحية في أواخر سنواته وأخذ يعاني من توقف في وظائف الكلى، فتوفي الدكتور السميط رحمه الله في يوم الخميس الموافق ١٥ أغسطس من عام ٢٠١٣م بعد صراع دام مع المرض وذلك لأنه لم يكن يهتم بنفسه بل كان كل تفكيره في المحتاجين في أفريقيا فقدم لهم الكثير وقدم لأفريقيا ما لم تكن تستطيع دول بميزانياتها أن تقدمه،

وإن سيرة كسيرته خليق بأن تلقن بمدارس المسلمين للطلبة لعل تلك السيرة الغنية بجلائل الأعمال أن تحفز شباب الدعوة في هذا الزمان وهم الحداة على الدرب ليسيروا على هداها فهي قصة التحدي والذكاة والصبر والطموح، قصة البناء الفطن المثابر الذي يخلق من التراب وشتيت المواد قصرا شامخ الذرى، بهيج المرأى، وطيد الأركان لقد أصبح السميط رحمه الله وهو الذي كان يتعاطى أكثر من عشرة أنواع من الأدوية لمقاومة أمراض عدة كانت قد أصابته، اصبح رائدا للدعوة والعمل الإغاثي بأفريقيا والله إننا بفقدنا لخادم فقراء أفريقيا قد فقدنا عظيما فلقد. ومشعلا وهاجا حري بشباب المسلمين اليوم بأن يسيروا على خطاه. والله إننا بفقدنا لخادم فقراء أفريقيا قد فقدنا عظيما فلقد كان حقا رجلا بأمة.

Scroll to Top